مكتبة الحديت النبوي الشريف

آخر المواضيع

vendredi 13 février 2015

04:41

أحاديث الولي في النكاح

جاءت الشريعة بما يحفظ للخلق حقوقهم، ويصون أعراضهم، ومن ذلك الحق الذي جعله الله بيد الأولياء، وهو ما يعبر عنه الفقهاء بـ(الولاية على المرأة في النكاح)؛ حفاظا على حق المرأة من الضياع، ومع ذلك لم يسمح الشارع للأولياء بالتعسف في استعمال هذا الحق في إهدار حق المرأة ومصادرة رأيها في شريك حياتها، فنهى عن العضل، وجعلهن أحق بأنفسهن بالمعروف.


وفي الأحاديث اعتبار لحق الولي في النكاح، وفي بعضها اعتبار لحق المرأة أيضا، مما جعل في ذهن بعض الناس تداخلاً أو تعارضا بين الأحاديث، وبيان ذلك فيما يلي:

الأحاديث في حق الولي:

حديث أبي موسى الأشــعري رضي الله عنه أن رســول الله صلى الله عليه وسلم قـال: (لا نكاح إلا بولي) رواه أبو داود وغيره بأسانيد موصولة ومرسلة، وكلها صحيحة كما قال الحاكم في المستدرك.
حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، فإن دخل بها فالمهر لها بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا ، فالسلطان ولي من لا ولي له) رواه الترمذي، وحسنه وقال: "والعمل في هذا الباب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي) عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، منهم: عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبدالله بن عباس ، وأبو هريرة ، وغيرهم".

الأحاديث في حق المرأة في الاستئذان والاستئمار:
في صحيح مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها)، وفي رواية: (الأيم أحق بنفسها)، فهل معنى الحديث أنها أحق بنفسها من وليها فتتولى النكاح بنفسها من دون وليها؟ أم أن الحق لا زال لوليها ؟ وكيف نجمع بين هذين الظاهرين المتعارضين؟

قال النووي: "وقوله صلى الله عليه و سلم "أحق بنفسها" يحتمل من حيث اللفظ أن المراد أحق من وليها في كل شيء من عقد وغيره، كما قاله أبو حنيفة وداود، ويحتمل أنها أحق بالرضا أي لا تُزوَّج حتى تنطق بالإذن بخلاف البكر، ولكن لمَّا صح قوله صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولى) مع غيره من الأحاديث الدالة على اشتراط الولي، تعين الاحتمال الثاني".

ومن خلال قوله صلى الله عليه وسلم: (أحق) يتبين أن الحق مشترك بين المرأة وبين وليها، فهي أحق بنفسها لكن مع إذن وليها وبهذا يزول التداخل بين الحقين، ويرتفع التعارض بين ظواهر النصوص السابقة، على أنه لا بد من الإشارة إلى أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين الفقهاء ليس هذا موضع بيانه، فقد قال بعض الفقهاء بجواز أن تزوج المرأة نفسها من غير وليها، وهو رأي لأبي حنيفة وأبي يوسف، وبعضهم ربما نسب القول إجمالا الى الأحناف وهذا خطأ، ففي المذهب خلاف في هذه المسألة على ثلاثة أقوال: صحة العقد، وعدم الصحة، وتوقف الصحة على إذن الولي، ولكن لما كان هذا القول معارضا للنص حكى بعض أهل العلم إجماع الصحابة على اشتراط الولي في النكاح إشارة إلى عدم اعتبار الخلاف مع النص حتى قالابن المنذر: إنه لا يُعرف عن أحد من الصحابة خلاف في ذلك.

04:40

عبد الله بن مسعود

 هو الإمام الرباني أبو عبد الرحمن عبد الله بن أمِّ عبدٍ الهُذَليُ، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخادمه وصاحب سواكه ونعليه، أسلم قديمًا، وكان أحد السابقين الأولين، فكان سادس ستة في الإسلام! وكان أول من جهر بالقرآن بمكة، وهاجر الهجرتين، وشهِد بدرًا والمشاهد بعدها، وكان من سادة الصحابة وأوعية العلم وأئمة الهدى، وكان من نبلاء الفقهاء والمقرئين.
لازم النبي - صلى الله عليه وسلم - وحفظ من فيه سبعين سورة، وقال - صلى الله عليه وسلم - : "من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أُنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد".
نظر عمر مرة إلى ابن مسعود - وقد قام - فقال: كُنَيف [أي: وعاء] مُلئ علمًا!
وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: أتينا حذيفة فقلنا له: حدثنا عن أقرب الناس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هديًا ودلاً وسمتًا فنأخذ عنه ونسمع منه، قال: هو ابن مسعود!
وعن حارثة بن مضرب قال: قُرئ علينا كتاب عمر: "إني قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرًا،وعبد الله بن مسعود معلمًا ووزيرًا، وهما من النجباء من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا، وقد آثرتكم بعبد الله ابن مسعود على نفسي".
منهج ابن مسعود في الرواية:
كان عبد الله بن مسعود من المكثرين من الرواية عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك فقد كان شديد التحري في الأداء وكان يشدد في الرواية، ويزجر تلامذته عن التهاون في ضبط الألفاظ، ولا يجرؤ على الجزم بأن ما ينقله هو نفس اللفظ النبوي تورعًا واحتياطًا، فعن أبي عمرو الشيباني قال: كنت أجلس إلى ابن مسعود حولاً لا يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا استقلته الرِّعدة وقال: هكذا أو نحو ذا أو قريب من ذا!
ومن منهجه في الرواية - رضي الله تعالى عنه – أنه كان ينهى عن رواية ما يفوق ذهن العامة ويربكهم حفظًا لديانتهم، فقد كان يقول: "ما أنت بمحدث قومًا حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم".
وقد انتفع به من التابعين خلق كثير، وأخذوا عنه علمًا جمًا، حتى صاروا هم علماء الدنيا من بعده، فحدثوا عنه في الآفاق، ومن أشهر طلابه: علقمة، والأسود، ومسروق، والربيع بن خُثيم، وشُريح القاضي، وأبو وائل، وزِرُّ بن حُبيش، وعَبِيدة السلماني، وعمرو بن ميمون، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وأبو عثمان النَّهدي، والحارث بن سويد، وربعي بن حراش، وآخرون، كما روى عنه ابناه عبد الرحمن وأبو عبيدة وابن أخيه عبد الله بن عتبة وامرأته زينب الثقفية.
واتفق موته – رضي الله تعالى عنه – بالمدينة سنة اثنتين وثلاثين وله نحو من ستين سنة.

04:39

الجمع بين أحاديث صيام شعبان

جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشهر شعبان عدد من الأحاديث، منها: ما في صحيحمسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أر النبي -صلى الله عليه وسلم- صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا.


فما وجه الجمع بين قولها: (كان يصوم شعبان كله)، وبين قولها: (كان يصوم شعبان إلا قليلا)؟.
يمكن إجمال كلام أهل العلم في التوفيق بين الحديثين في وجهين:

الوجه الأول:

أن العبارة الثانية (إلا قليلا) تفسير للعبارة الأولى (كله)، وأن المقصود أنه كان يصوم معظمه لا كلَّه، وهو أسلوب عربي معروف، فقد نقل عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كله، فيكون من باب المجاز، والقرينة المانعة من استعمال الكل على الحقيقة، هي الروايات التي صحت في نفي استكماله لصيام شهر غير شهر رمضان.

وقيل المراد بقولها (كله) أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورا فلا يخلي شيئا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض.

وعلى هذا؛ فلا يشرع صيام شعبان كله، ولكن يسن صيام أكثره، وقد كان ابن عباس يكره أن يصوم شهراً كاملاً غير رمضان، وروى عبد الرزاق في كتابه عن ابن جريج عن عطاء قال : كان ابن عباس ينهى عن صيام الشهر كاملا ويقول : ليصمه إلا أياما.

الوجه الثاني:

أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أحيانا معظمه، وربما أتمه كله حينا آخر، فلم يكن يداوم على إكمال صيامه كله، لدفع توهم وجوبه كشهر رمضان.
قال الحافظ: والأول هو الصواب، (أن المقصود صيام أكثره) ويؤيده رواية عبد الله بن شقيقعن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عنها عند النسائي ولفظه : ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان.

ويدل لهذا روايات كثيرة منها:

ما رواه البخاري عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل لا والله لا يفطر ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم.

وما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا صلى ليلة إلى الصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان.

وبهذا يزول التعارض الظاهر بين الروايات، وينتظم المعنى على قولين، أحدهما جواز صيام شعبان كله، والثاني شرعية صيام معظمه، وهو الراجح الذي ذهب إليه أكثر شراح الحديث،كالنووي وابن حجر وغيرهما.

04:38

التبكير إلى صلاة الجمعة

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) متفق عليه.

وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر) رواه البخاري.
ليس في مقدور غالب المسلمين أن يتصدقوا كل أسبوع بناقة أو بقرة أو كبش ونحو ذلك، ولكن الله عز وجل الكريم الجواد منحنا فرصة أسبوعية للفوز بأجر يعدل التصدق بمثل ذلك، لمن جاء مبكرًا إلى صلاة الجمعة، التي تعد محفلا أسبوعيا يجتمع فيه المسلمون للتعبد والتعارف والتعلم والتآلف، فمن راح إلى الجمعة في الساعة الأولى (فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً...).
قال الإمام ابن الأثير في المقصود من الرّوَاح إلى الجمعة: "أي مشى إليها وذهب إلى الصلاة، ولم يرد رواح آخر النهار، يقال راح القوم تروحوا إذا ساروا أي وقت كان، وقيل أصل الرّوَاح أن يكون بعد الزوال، فلا تكون الساعات التي عددها في الحديث إلا في ساعة واحدة من يوم الجمعة، وهي بعد الزوال، كقولك: قعدت عندك ساعة، وإنما تريد جزءًا من الزمان، وإن لم تكن ساعة حقيقية التي هي جزء من أربعة وعشرين جزءًا مجموع الليل والنهار" ا.هـ.
ورغم أن العلماء اختلفوا في تحديد معنى الساعات المذكورة في الحديث؛ إلا أن هدف التبكير واضح، وسيتحقَّق لك إن شاء الله بذهابك قبل الصلاة بساعة أو أكثر أو أقل، لكن المهم أن لا تتأخَّر حتى يصعد الإمام إلى المنبر، وإلا راح الأجر كله، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا جلس الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر).
فلنحرص على إحياء هذه السُّنَّة العظيمة، بتطبيقها وحث الناس عليها، حتى ننال ثوابها العظيم، وحتى ننال أجر إحياء سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم.

04:38

السعي في قضاء حوائج الناس

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ الله فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فرَّجَ الله عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ) رواهالبخاري ومسلم، وعند الطبراني بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (..وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخٍ لِي فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا)، وفي رواية أخرى عند الطبراني أيضاً: (.. وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى أَثْبَتَهَا لَهُ، أَثْبَتَ الله عَزَّ وَجَلَّ قَدَمَهُ عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الأَقْدَامُ).

كثيرة هي الأعمال التي يحتاج كل إنسان أن يقوم بها في حياته؛ خاصة إذا كان مسئولاً عن عائلة وأسرة؛ فهناك أعمال اقتصادية، وأخرى اجتماعية، وثالثة إدارية، ورابعة صحية، وغير ذلك من واجبات يحملها أي إنسان كل صباح ومساء، وقد يعجز المرء عن القيام بجميع هذه الواجبات، فيقع الضرر عليه أو على مَنْ يحبُّ، وهنا يبرز دور هذه السُّنَّة النبوية الجميلة التي بين أيدينا، وهي سُنَّة السعي لقضاء حوائج الناس.
وقد يظنُّ البعض أن مساعدة الناس لا تكون إلا بالمال، أو يظن أن اكتفاءه بإعطاء المال يُغنيه عن السعي والتحرك مع إخوانه لقضاء حوائجهم؛ ولكن الواقع أن "السعي" لقضاء الحاجات من أَجَلِّ الأعمال، وأعظمها عند الله جل وعلا؛ إذ أن ذلك يفوق أجر المعتكف المنقطع لعبادة الله تعالى.
فالواضح أن المقصود هو "السعي" لإتمام الحاجة، والحاجة قد تكون في إنهاء بعض الإجراءات القانونية التي تتطلب وجاهة، أو في شراء أشياء ومتطلبات، أو في المصاحبة في سفر أو زيارة، أو في صناعة شيء أو إصلاحه أو إعداده، أو غير ذلك من الأشياء التي تحتاج إلى جهد.
كما أن أهل المروءة والنجدة لا يمكنهم أن يروا مضطراً إلا أجابوه، ولا محتاجاً إلا أعانوه، ولا ملهوفاً إلا أغاثوه، فإن هذا من أصول المروءة كما قال ميمون بن مهران: "أول المروءة طلاقة الوجه، والثاني التودد، والثالث قضاء الحوائج"، وقال سفيان الثوري: "المروءة: الإنصاف من النفس، والتفضل".
ولأن المسلم يقوم بقضاء هذه الحاجات ابتغاء مرضاة الله تعالى، فإن الله عز وجل يُكافئه بالمساعدة في حاجته يوم احتياجه؛ سواء في الدنيا بتيسير من يكون له عوناً في قضاء حوائجه وتسهيل أعماله، أو في الآخرة بتثبيت الأقدام على الصراط، فواقع الأمر بهذه الصورة أن المستفيد الأكبر من قضاء الحاجات هو قاضي الحاجة نفسه وصاحب الوجاهة الذي سعي مع غيره لمساعدته وقضاء مصلحته، وهذا هو المقصد الرئيس من هذه السُّنَّة النبوية.

04:37

علي بن أبي طالب

هو أبو الحسن الهاشمي علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، وُلد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، فرُبِّي في حِجر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يفارقْه، وكان ممن سبق إلى الإسلام، وصاهر المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وجاهد في الله حق جهاده، وصار من فرسان الإسلام، وشهد مع النبي - صلى الله عليه وسلم - المشاهد إلا غزوة تبوك، فقال له في سبب تأخيره له بالمدينة: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟).

نهض بأعباء العلم والعمل، وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد، وشهد له النبي - صلى الله عليه وسلم بالجنة -، وقال: "من كنت مولاه فعلي مولاه" رواه الترمذي وابن ماجه، وقال: (لا يحبُّك إلا مؤمنٌ ولا يبغضك إلا منافق) رواه الترمذي والنسائي، ولم يزل بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - متصديًا لنشر العلم والفُتيا، وكان أحدُ أصحاب الشورى الذين نص عليهم عمر. ومناقبه كثيرة حتى قال الإمام أحمد: لم يُنقل لأحد من الصحابة ما نقل لعلي.
جهوده في خدمة السنة النبوية :
كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إمامًا عالما متحريًا مستوثقًا في الأخذ والتحمُّل لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بحيث إنه يَستحلِف من يحدِّثه بالحديث! ويقول في ذلك: "كنتُ إذا سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثًا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وكان إذا حدثني عنه غيرُه استحلفته، فإذا حلف صدقته!".
وقد روى عن النبي - صلى الله عليه و سلم - علمًا كثيرًا، فكان يقول: "سلوني سلوني! سلوني عن كتاب الله تعالى، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أَنَزلت بليل أو نهار!"، ورُوي أن عليًا ذُكر عند عائشة - رضي الله تعالى عنها -، فقالت: "أما إنه أعلم من بقي في السُّنة".
ومع كثرة علمه الذي تحمله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يُرْوَ عنه إلا خمسمائة وستة ثمانين حديثًا فقط، وهو أقل مما رُوِي عن بعض الصحابة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأسباب منها: انشغاله بالقضاء والإمارة والحروب التي جعلته لا يتفرغ للفُتيا وعقْد مجالس التحديث التي كانت سببًا في انتشار علم بعض الصحابة، كابن مسعود وابن عباس وابن عمر.
منهجه في الرواية والتحديث :
كان من أبرز ملامح هذا المنهج تَوقي الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو أحد الرواة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) رواهالبخاري ومسلم، وكان يقول: "إذا حدثتكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلأن أخِرَّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتُكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة!" رواهالبخاري ومسلم، ولذلك كان ابن عباس يقول: "إذا جاءنا الثبْت عن علي لم نعدل به".
وكان من منهجه – رضي الله تعالى عنه – أيضًا في الرواية؛ عدم رواية المنكر وغير المشهور من الحديث الذي يشتبه على عامة الناس ولا تدركه عقولهم، فقد ورد عنه أنه قال: (حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب اللهُ ورسولُه؟!).
وكان - رضي الله تعالى عنه - لا يحدِّث مَن لا يثق به من أهل الأهواء والبدع، فكان يضِنُّ بما عنده من العلم ومن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – عمَّن لا يستحق أن يضع علمه عنده، وفي نصيحته لتلميذه كُميل بن زياد إشارة لذلك، حيث قال له: "إن هاهنا - وأشار إلى صدره - علمًا لو أصبتُ له حَمَلةً!".
وقد استشهد أمير المؤمنين في سابع عشر رمضان من عام أربعين وسِنُّه ستون سنة أو أقل أو أكثر بسنة أو سنتين رضي الله عنه.

نموذج الاتصال

Nom

E-mail *

Message *

Traduction ترجمة

التسميات